فصل: سادساً - الغرر في عقد الوكالة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الغرر في العقود

أوّلاً‏:‏ الغرر في عقود المعاوضات الماليّة

أ - الغرر في عقد البيع‏:‏

الغرر في عقد البيع إمّا أن يكون في صيغة العقد، أو يكون في محلّ العقد‏.‏

أ - الغرر في صيغة العقد‏:‏

11 - قد ينعقد عقد البيع على صفة تجعل فيه غرراً، بمعنى أنّ الغرر يتعلّق بنفس العقد - الإيجاب والقبول - لا بمحلّه - المعقود عليه -‏.‏

ويدخل في الغرر في صيغة العقد عدّة بيوع نهى الشّارع عنها صراحةً، منها البيعتان في بيعة، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيعتان في بيعة ف /1 وما بعدها‏)‏‏.‏

ومنها بيع الحصاة، كأن يقول البائع‏:‏ إذا رميت هذه الحصاة فهذا الثّوب مبيع منك بكذا، وذلك بالتّفسير الّذي يجعل الرّمي صيغة البيع، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال

«نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر»‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع الحصاة ف /4‏)‏‏.‏

ومنها بيع الملامسة والمنابذة، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة»‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع الملامسة ف /3 و 4، وبيع المنابذة ف /2‏)‏‏.‏

ويدخل أيضاً في الغرر في صيغة العقد تعليق البيع وإضافته للزّمن المستقبل‏.‏

قال الشّيرازيّ‏:‏ ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل، كمجيء الشّهر وقدوم الحاجّ ؛ لأنّه بيع غرر من غير حاجة، فلم يجز‏.‏

ب - الغرر في محلّ العقد‏:‏

12 - محلّ العقد هو المعقود عليه، وهو في عقد البيع يشمل المبيع والثّمن‏.‏

والغرر في محلّ العقد يرجع إلى الجهالة به، لذا شرط الفقهاء لصحّة عقد البيع العلم بالمحلّ‏.‏ والغرر في المبيع يرجع إلى أحد الأمور التّالية‏:‏ الجهل بذات البيع أو جنسه أو نوعه أو صفته أو مقداره أو أجله، أو عدم القدرة على تسليمه، أو التّعاقد على المحلّ المعدوم، أو عدم رؤيته‏.‏

13 - فمثال الجهل بذات المبيع‏:‏ بيع شاة من قطيع، أو ثوب من ثياب مختلفة، فالمبيع هنا - وإن كان معلوم الجنس - إلاّ أنّه مجهول الذّات، ممّا يؤدّي إلى حصول نزاع في تعيينه‏.‏

وأجاز المالكيّة البيع إن جعل للمشتري خيار التّعيين، ويسمّى عندهم بيع الاختيار، وكذا أجازه الحنفيّة إن جعل للمشتري خيار التّعيين وكان اختياره من ثلاثة فما دون‏.‏

ومثال الجهل بجنس المحلّ‏:‏ بيع الحصاة على بعض التّفاسير، وبيع المرء ما في كمّه ‏"‏ وأن يقول بعتك سلعةً من غير أن يسمّيها‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع الحصاة ف /3‏)‏‏.‏

ومثال الجهل بنوع المحلّ‏:‏ ما ذكره ابن عابدين من أنّه لو قال بعتك كرّاً - وهو كيل - من حنطة ‏"‏ فإن لم يكن كلّ الكرّ في ملكه بطل، ولو بعضه في ملكه بطل في المعدوم وفسد في الموجودة، ولو كلّه في ملكه لكن في موضعين، أو من نوعين مختلفين لا يجوز، ولو من نوع واحد في موضع واحد جاز وإن لم يضف البيع إلى تلك الحنطة‏.‏

وقال القرافيّ‏:‏ الغرر والجهالة يقعان في سبعة أشياء، ثمّ قال‏:‏ رابعها النّوع، كعبد لم يسمّه‏.‏

وقال الشّيرازيّ‏:‏ ولا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها أو نوعها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الغرر»، وفي بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كثير‏.‏

ومثال الجهل بصفة المحلّ‏:‏ بيع الحمل، وبيع المضامين، وبيع الملاقيح، وبيع المجر، وبيع عسب الفحل‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع منهيّ عنه ف /5، 6، 69‏)‏‏.‏

ومثال الجهل بمقدار المبيع‏:‏ بيع المزابنة، والمحاقلة، وبيع ضربة الغائص‏.‏

ومثال الجهل بالأجل‏.‏ بيع حبل الحبلة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع منهيّ عنه ف /5‏)‏‏.‏

ومثال عدم القدرة على تسليم المحلّ‏:‏ بيع البعير الشّارد، والطّير في الهواء، وبيع الإنسان ما ليس عنده، وبيع الدّين، وبيع المغصوب‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع منهيّ عنه ف /32 وما بعدها‏)‏‏.‏

ومثال التّعاقد على المحلّ المعدوم‏:‏ بيع الثّمرة الّتي لم تخلق، وبيع المعاومة والسّنين، وبيع نتاج النّتاج‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع منهيّ عنه ف /72، 88‏)‏‏.‏

14 - كما أنّ الغرر في الثّمن يرجع إلى الجهل به‏.‏

والجهل بالثّمن قد يكون جهلاً بالذّات، كما لو باع سلعةً بمائة شاة من هذا القطيع، فلا يجوز لجهالة الثّمن‏.‏

وقد يكون جهلاً بالنّوع قال النّوويّ‏:‏ إذا قال‏:‏ بعتك بدينار في ذمّتك أو قال‏:‏ بعشرة دراهم في ذمّتك، أو أطلق الدّراهم، فلا خلاف في أنّه يشترط العلم بنوعها‏.‏

وقد يكون جهلاً بصفة الثّمن، فلا يصحّ البيع بثمن مجهول الصّفة ؛ لأنّ الصّفة إذا كانت مجهولةً تحصل المنازعة، فالمشتري يريد دفع الأدون والبائع يطلب الأرفع، فلا يحصل مقصود شرعيّة البيع، وهو دفع الحاجة بلا منازعة‏.‏

وقد يكون جهلاً بمقدار الثّمن، إذ يشترط الفقهاء العلم بمقدار الثّمن إذا لم يكن مشاراً إليه‏.‏ فلا يصحّ البيع بثمن مجهول القدر اتّفاقاً‏.‏

وقد يكون جهلاً بأجل الثّمن، قال النّوويّ اتّفقوا على أنّه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول‏.‏

وقال الكمال‏:‏ جهالة الأجل تفضي إلى المنازعة في التّسلّم والتّسليم، فهذا يطالبه في قريب المدّة وذاك في بعيدها، ولأنّه عليه الصلاة والسلام في موضع شرط الأجل - وهو السّلم - أوجب فيه التّعيين، حيث قال‏:‏ «من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»‏.‏

وعلى كلّ ذلك انعقد الإجماع

ب - الغرر في عقد الإجارة‏:‏

15 - الغرر في عقد الإجارة قد يرد على صيغة العقد، وقد يرد على محلّ العقد‏.‏

فمن الغرر في صيغة عقد الإجارة‏:‏ التّعليق، فلا يصحّ أن يقول‏:‏ إن قدم زيد فقد آجرتك، بسبب أنّ انتقال الأملاك يعتمد الرّضا، والرّضا إنّما يكون مع الجزم، ولا جزم مع التّعليق، فإنّ شأن المعلّق عليه أن يعترضه عدم الحصول، وفي ذلك غرر‏.‏

وأمّا الغرر في محلّ العقد فلا يختلف عمّا ذكر في البيع، لذا يشترط الفقهاء في محلّ الإجارة ما يشترطونه في محلّ البيع، ومن ذلك أن تكون الأجرة والمنفعة معلومتين، لأنّ جهالتهما تفضي إلى المنازعة، ففي حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتّى يبيّن له أجره»‏.‏

ومن ذلك أيضاً‏:‏ أن يكون محلّ الإجارة مقدوراً على تسليمه، فلا تجوز إجارة متعذّر التّسليم حسّاً، كإجارة البعير الشّارد، أو شرعاً كإجارة الحائض لكنس المسجد، والطّبيب لقلع سنّ صحيح، والسّاحر على تعليم السّحر‏.‏

ج - الغرر في عقد السّلم‏:‏

16 - القياس عدم جواز بيع السّلم، إذ هو بيع المعدوم، وإنّما جوّزه الشّارع للحاجة‏.‏

قال الكمال‏:‏ ولا يخفى أنّ جوازه على خلاف القياس، إذ هو بيع المعدوم، وجب المصير إليه بالنّصّ والإجماع للحاجة من كلّ من البائع والمشتري‏.‏

ويشترط في السّلم ما يشترط في البيع‏.‏

وزاد الفقهاء شروطاً أخرى لتخفيف الغرر فيه منها‏:‏ تسليم رأس المال في مجلس العقد، قال الغزاليّ‏:‏ من شرائطه تسليم رأس المال في المجلس جبراً للغرر في الجانب‏.‏

وأجاز المالكيّة تأخير التّسليم إلى يومين أو ثلاثة‏.‏

ومنها‏:‏ أن يكون المسلم فيه عامّ الوجود عند محلّه، قال ابن قدامة‏:‏ لأنّه إذا كان كذلك أمكن تسليمه عند وجوب تسليمه، وإذا لم يكن عامّ الوجود لم يكن موجوداً عند المحلّ بحكم الظّاهر، فلم يمكن تسليمه، فلم يصحّ كبيع الآبق بل أولى، فإنّ السّلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة، فلا يحتمل فيه غرر آخر ؛ لئلاّ يكثر الغرر فيه‏.‏

ومنها‏:‏ معرفة أوصاف المسلم فيه، وأن يكون ممّا ينضبط بالصّفات، قال الرّافعيّ‏:‏ لأنّ البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه وهو عين، فلأن لا يحتملها السّلم وهو دين كان أولى‏.‏ وعلّل ابن عابدين ذلك بنفس العلّة، فقال‏:‏ لأنّه دين وهو لا يعرف إلاّ بالوصف، فإذا لم يمكن ضبطه به يكون مجهولاً جهالةً تفضي إلى المنازعة، فلا يجوز كسائر الدّيون‏.‏

د - الغرر في الجعالة‏:‏

17 - القياس عدم جواز عقد الجعالة لما فيه من الغرر ؛ لجهالة العمل وجهالة الأجل حيث إنّ العامل يستحقّ الجعل بعد فراغه من العمل، وهو وقت مجهول، إلاّ أنّه جوّز استثناءً للحاجة إليه‏.‏

قال ابن رشد‏:‏ هو في القياس غرر، إلاّ أنّ الشّرع قد جوّزه‏.‏

لكن منعت بعض الصّور من الجعالة، منها‏:‏ ما لو قال لرجل‏:‏ بع لي ثوبي ولك من كلّ دينار درهم، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّه لم يسمّ ثمناً يبيعه به، وإذا لم يكن الثّمن معلوماً كأن جعل العامل مجهولاً، إذ يشترط لصحّة الجهالة أن يكون الجعل معلوماً‏.‏ قال مالك‏:‏ كلّما نقص دينار من ثمن السّلعة نقص في حقّه الّذي سمّى له، فهذا غرر لا يدري كم جعل له‏.‏

ومنها‏:‏ ما لو قال لآخر‏:‏ بع هذا الثّوب فما زاد على عشرة دراهم فهو لك فلا يجوز، قال مالك‏:‏ لا يجوز لأنّ الجعل مجهول قد دخله غرر‏.‏

ثانياً - الغرر في عقود التّبرّعات

أ - عقد الهبة‏:‏

18 - اختلف الفقهاء في تأثير الغرر على عقد الهبة، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الغرر يؤثّر في صحّة عقد الهبة، كما يؤثّر في البيع، يدلّ لذلك أنّهم اشترطوا في الموهوب ما اشترطوه في المبيع‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ الشّرائط الّتي ترجع إلى الموهوب أنواع‏:‏ منها أن يكون موجوداً وقت الهبة، فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد، بأن وهب ما يثمر نخله العام، وتلده أغنامه السّنة‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ وما جاز بيعه جاز هبته، وما لا - كمجهول ومغصوب وضالّ - فلا‏.‏ وعرّف الحنابلة الهبة‏:‏ بأنّها التّبرّع بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره، قال البهوتيّ‏:‏ خرج بالمال نحو الكلب، وبالمعلوم المجهول، وبالموجود المعدوم، فلا تصحّ الهبة فيها‏.‏

كما ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز عقد الهبة في حالة التّعليق والإضافة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الغرر لا تأثير له في صحّة عقد الهبة، قال ابن رشد‏:‏ ولا خلاف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقّع الوجود، وبالجملة كلّ ما لا يصحّ بيعه في الشّرع من جهة الغرر‏.‏

والقاعدة عند المالكيّة‏:‏ أنّه لا تأثير للغرر على عقود التّبرّعات، قال القرافيّ‏:‏ انقسمت التّصرّفات في قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة وما لا يجتنب إلى ثلاثة أقسام‏:‏ طرفان وواسطة، فالطّرفان‏:‏ أحدهما‏:‏ معاوضة صرفة، فيجتنب فيها ذلك إلى ما دعت الضّرورة إليه عادةً، وثانيهما‏:‏ ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال كالصّدقة والهبة والإبراء، فإنّ هذه التّصرّفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه، فإنّه لم يبذل شيئاً، بخلاف القسم الأوّل إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشّرع منع الجهالة فيه، أمّا الإحسان الصّرف فلا ضرر فيه، فاقتضت حكمة الشّرع وحثّه على الإحسان التّوسعة فيه بكلّ طريق بالمعلوم والمجهول، فإنّ ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعاً، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله، فإذا وهب له عبده الآبق جاز أن يجده فيحصل له ما ينتفع به، ولا ضرر عليه إن لم يجده، لأنّه لم يبذل شيئاً، ثمّ إنّ الأحاديث لم يرد فيها ما يعمّ هذه الأقسام حتّى نقول يلزم منه مخالفة نصوص صاحب الشّرع، بل إنّما وردت في البيع ونحوه، وأمّا الواسطة بين الطّرفين فهو النّكاح‏.‏

ب - الوصيّة‏:‏

19 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا تأثير للغرر على الوصيّة، لذا لم يشترطوا في الموصى به ما اشترطوه في المبيع، وتجوز الوصيّة بالمعدوم والمجهول، لأنّ الوصيّة - كما قال ابن عابدين - لا تمتنع بالجهالة، ولأنّها - كما قال الشّربينيّ الخطيب - احتمل فيها وجوه من الغرر رفقاً بالنّاس وتوسعةً عليهم‏.‏

وأجاز الشّافعيّة كذلك الوصيّة بما لا يقدر على تسليمه كالطّير في الهواء‏.‏

ثالثاً - الغرر في عقد الشّركة

20 - منع الشّافعيّة شركة الأبدان لما فيها من الغرر، إذ لا يدري أنّ صاحبه يكسب أم لا‏.‏ ومنعوا أيضاً شركة المفاوضة‏.‏ قال الشّافعيّ‏:‏ إن لم تكن شركة المفاوضة باطلةً فلا باطل أعرفه في الدّنيا‏.‏ يشير بذلك إلى كثرة ما فيها من الغرر‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى عدم جواز شركة الوجوه للغرر، لأنّ كلّ واحد من الشّريكين عاوض صاحبه بكسب غير محدود بصناعة ولا عمل مخصوص‏.‏

كما يرى كثير من الفقهاء أنّ المضاربة لا تجوز في القياس‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ القياس أنّ المضاربة لا تجوز ؛ لأنّها استئجار بأجر مجهول - بل معدوم - ولعمل مجهول، لكنّا تركنا القياس بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏

وقال ابن جزيّ‏:‏ القراض جائز مستثنًى من الغرر والإجارة المجهولة‏.‏

وقد اشترط الفقهاء عدّة شروط في عقد الشّركة باختلاف أنواعها منعاً لوقوع الغرر فيها‏.‏ وللوقوف على تعريف الشّركات وما يعتريه الغرر منها ومذاهب الفقهاء في ذلك ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏شركة‏)‏‏.‏

رابعاً - الغرر في عقد الرّهن

21 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ما لا يصحّ بيعه لا يصحّ رهنه، لأنّ مقصود الرّهن استيفاء الدّين من ثمنه، وما لا يجوز بيعه لا يمكن ذلك فيه، ومن ثمّ يرون أنّ الغرر يؤثّر في صحّة عقد الرّهن، لذا يشترطون في المرهون أن يكون معلوماً وموجوداً ومقدوراً على تسليمه‏.‏

وجوّز المالكيّة الغرر في الرّهن‏.‏ فقد نصّوا على جواز رهن ما لا يحلّ بيعه في وقت الارتهان كالبعير الشّارد، والزّرع والثّمر الّذي لم يبد صلاحه، ولا يباع في أداء الدّين إلاّ إذا بدا صلاحه، وإن حلّ أجل الدّين‏.‏

وقيّد الدّردير الغرر الّذي يجوز في الرّهن بالغرر اليسيرة ومثّل له بالبعير الشّارد، ونصّ على أنّه إذا اشتدّ الغرر - كالجنين في البطن - فلا يجوز الرّهن‏.‏

خامساً - الغرر في عقد الكفالة

22 - تصحّ الكفالة بالمال المجهول عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة لأنّها مبنيّة على التّوسّع، كما يقول ابن عابدين‏.‏

ولأنّها التزام حقّ في الذّمّة من غير معاوضة فصحّ في المجهول، قاله ابن قدامة‏.‏

وتصحّ الكفالة عند الحنفيّة مع جهالة المكفول إذا كان واحداً غير معيّن من أشخاص معيّنين، نحو‏:‏ كفلت مالك على فلان أو فلان ويكون التّعيين للكفيل، ونحو‏:‏ إن غصب مالك واحد من هؤلاء القوم فأنا ضامن‏.‏

أمّا لو عمّم فقال‏:‏ إن غصبك إنسان شيئاً فأنا له ضامن لا يصحّ، كما لا تصحّ عندهم الكفالة مع جهالة المكفول له‏.‏

وذهب المالكيّة إلى صحّة الضّمان مع جهالة المكفول له نحو‏:‏ أنا ضامن زيداً في الدّين الّذي عليه للنّاس‏.‏

واشترط الشّافعيّة العلم بالمضمون جنساً وقدراً وصفةً وعيناً، فلا يصحّ ضمان المجهول‏.‏ والحنابلة لا يشترطون معرفة الضّامن للمضمون ولا للمضمون له‏.‏

سادساً - الغرر في عقد الوكالة

23 - اختلف الفقهاء في الوكالة العامّة، فأجازها الحنفيّة والمالكيّة من حيث الجملة‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى منع الوكالة العامّة ؛ لكثرة الغرر فيها‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ لو قال‏:‏ وكّلتك في كلّ قليل وكثير، وفي كلّ أموري، أو فوّضت إليك كلّ شيء، لم يصحّ التّوكيل لكثرة الغرر فيه‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ إنّ في هذا غرراً عظيماً وخطراً كبيراً ‏;‏ لأنّه تدخل فيه هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه وتزوّج نساء كثيرة، ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة فيعظم الغرر‏.‏

وأمّا الوكالة الخاصّة فاتّفق الفقهاء على جوازها‏.‏

واشترط الحنفيّة فيها العلم بالموكّل به علماً تنتفي به الجهالة الفاحشة والمتوسّطة، أمّا الجهالة اليسيرة فلا تضرّ والجهالة الفاحشة هي جهالة الجنس، فلو وكّله بشراء دابّة لم يصحّ، لأنّ الدّابّة تشمل الفرس والحمار والبغل‏.‏

والجهالة المتوسّطة هي جهالة النّوع الّذي تتفاوت قيم آحاده تفاوتاً فاحشاً، كأن يوكّله بشراء دار، فهذه الوكالة لا تصحّ أيضاً إلاّ إذا بيّن الثّمن أو الصّفة لتقلّ الجهالة‏.‏

والجهالة اليسيرة هي جهالة النّوع المحض - النّوع الّذي لا تتفاوت قيم آحاده تفاوتاً فاحشاً- كأن يوكّله بشراء فرس فإنّ الوكالة تصحّ‏.‏

وتجوز عند المالكيّة الوكالة الخاصّة مع جهالة الموكّل عليه ويعيّنه العرف‏.‏

ويشترط الشّافعيّة في الموكّل فيه أن يكون معلوماً من بعض الوجوه، ولا يشترط علمه من كلّ وجه، لأنّ تجويز الوكالة للحاجة يقتضي المسامحة، فيكفي أن يكون الموكّل فيه معلوماً علماً يقلّ معه الغرر‏.‏

ويشترطون في الوكالة بالشّراء بيان النّوع، وإذا تباينت أوصاف نوع وجب بيان الصّنف أيضاً، ولكن لا يشترط استيفاء جميع الأوصاف، وهذا فيما يشترى لغير التّجارة، أمّا ما يشترى للتّجارة فلا يجب فيه ذكر النّوع ولا غيره، بل يكفي أن يقول‏:‏ اشتر لي ما شئت من العروض‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لو قال اشتر لي فرساً بما شئت لم يصحّ التّوكيل حتّى يذكر النّوع وقدر الثّمن ‏;‏ لأنّه ما يمكن شراؤه والشّراء به يكثر، فيكثر فيه الغرر، فإن ذكر النّوع وقدّر الثّمن صحّ لانتفاء الغرر، واقتصر القاضي على ذكر النّوع، لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن في أعلاه ثمناً فيقلّ الغرر‏.‏

وإن وكّله في بيع ماله كلّه صحّ ؛ لأنّه يعرف ماله فيقلّ الغرر‏.‏

سابعاً‏:‏ الغرر في عقد الزّواج

24 - يرد الغرر في عقد النّكاح على المهر، ولا يؤثّر على العقد ؛ لأنّ النّكاح عقد لا يبطل بجهالة العوض‏.‏ وقد ذكر الفقهاء صوراً للغرر في المهر، منها ما ذكره الحنفيّة من أنّ جهالة نوع المهر تفسد التّسمية، كما لو تزوّجها على دابّة أو ثوب أو دار، فالتّسمية فاسدة للجهالة الفاحشة ويجب حينئذ على الزّوج مهر المثل‏.‏

كما صرّحوا بعدم ثبوت الأجل إذا كانت جهالته متفاحشةً، ويجب المهر حالّاً، وذلك كالتّأجيل إلى هبوب الرّياح أو إلى أن تمطر السّماء، أو إلى الميسرة‏.‏

وقسّم المالكيّة - كما سبق - التّصرّفات من حيث تأثير الغرر فيها وعدمه إلى ثلاثة أقسام‏:‏ طرفان وواسطة‏.‏

فالطّرفان‏:‏ معاوضة صرفة، فيجتنب فيها الغرر، إلاّ ما دعت الضّرورة إليه عادةً‏.‏ وإحسان صرف لا يقصد به تنمية المال، فيغتفر فيه الغرر‏.‏

وأمّا الواسطة بين الطّرفين فهو النّكاح، قال القرافيّ‏:‏ هو من جهة أنّ المال فيه ليس مقصوداً، وإنّما مقصده المودّة والألفة والسّكون، يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقاً، ومن جهة أنّ صاحب الشّرع اشترط فيه المال بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم‏}‏ الآية‏.‏ يقتضي امتناع الجهالة والغرر فيه، فلوجود الشّبهين توسّط مالك فجوّز فيه الغرر القليل دون الكثير، نحو عبد من غير تعيين، وشورة بيت، ولا يجوز على العبد الآبق والبعير الشّارد ؛ لأنّ الأوّل يرجع فيه إلى الوسط المتعارف، والثّاني ليس له ضابط فامتنع، وصرّحوا بعدم جواز تأجيل المهر إلاّ لزمن محدّد، فلا يجوز عندهم التّأجيل للموت أو الفراق، إلاّ أنّهم جوّزوا تأجيل المهر إلى الميسرة إذا كان الزّوج مليّاً‏.‏

واشترط الحنابلة في الصّداق أن يكون معلوماً كالثّمن، قال البهوتيّ‏:‏ لأنّ الصّداق عوض في حقّ معاوضة فأشبه الثّمن ‏;‏ ولأنّ غير المعلوم مجهول لا يصحّ عوضاً في البيع، فلم تصحّ تسميته كالمحرّم، وصرّحوا بأنّه لا يضرّ الجهل اليسير والغرر الّذي يرجى زواله، ومثّلوا لذلك بالزّواج على الآبق، والمغصوب، ودين السّلم، والمبيع قبل قبضه ولو مكيلاً ونحوه، قال البهوتيّ‏:‏ لأنّ الصّداق ليس ركناً في النّكاح، فاغتفر الجهل اليسير والغرر الّذي يرجى زواله‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الغرر يؤثّر في المهر كما يؤثّر في المبيع من غير فرق، لذا يشترطون في المهر شروط المبيع‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ ما صحّ مبيعاً صحّ صداقاً‏.‏

ولو سمّى صداقاً فاقداً لأحد شروط المبيع فسد الصّداق وتبطل التّسمية، ويجب للزّوجة مهر المثل‏.‏

الغرر في الشّروط

25 - يمكن تقسيم الشّروط من حيث تأثير الغرر فيها إلى ثلاثة أقسام‏:‏ شرط في وجوده غرر، وشرط يحدث غرراً في العقد، وشرط يزيد من الغرر الّذي في العقد‏.‏

أوّلاً - الشّرط الّذي في وجوده غرر

26 - قال الكاسانيّ‏:‏ من شرائط صحّة البيع الخلوّ عن الشّروط الفاسدة، وهي أنواع، منها شرط في وجوده غرر، نحو ما إذا اشترى ناقةً على أنّها حامل ؛ لأنّ المشروط يحتمل الوجود والعدم، ولا يمكن الوقوف عليه للحال، لأنّ عظم البطن والتّحرّك يحتمل أن يكون لعارض داء أو غيره، فكان في وجوده غرر، فيوجب فساد البيع‏.‏

وقد وافق المالكيّة والشّافعيّة - في قول - الحنفيّة على عدم صحّة البيع بهذا الشّرط‏.‏ وذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة إلى صحّة البيع بهذا الشّرط‏.‏

وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة قولاً بالصّحّة، لأنّ كونها حاملاً بمنزلة شرط كون العبد كاتباً أو خيّاطاً ونحو ذلك، وذا جائز فكذا هذا، وهو قول أشهب من المالكيّة‏.‏

ومن الشّروط الّتي في وجودها غرر، ما لو اشترى ناقةً وهي حامل على أنّها تضع حملها إلى شهر أو شهرين، قال الكاسانيّ‏:‏ فالبيع فاسد ؛ لأنّ في وجود هذا الشّرط غرراً، وكذا لو اشترى بقرةً على أنّها تحلب كذا وكذا رطلاً‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ لو شرط كونها تدرّ كلّ يوم قدراً معلوماً من اللّبن بطل البيع بلا خلاف ؛ لأنّ ذلك لا يمكن معرفته وضبطه فلم يصحّ‏.‏

ثانياً - الشّرط الّذي يحدث غرراً في العقد

27 - من الشّروط الّتي تحدث غرراً في العقد أن يبيع الرّجل شيئاً ويستثني بعضه غير المعلوم، وهو ما يعرف ببيع الثّنيا‏.‏

وبيع الثّنيا من البيوع المنهيّ عنها، لما روى جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «نهى عن المحاقلة والمزابنة والثّنيا إلاّ أن تعلم»‏.‏

وقد صرّح الفقهاء بعدم صحّة بيع الثّنيا إن كان المستثنى مجهولاً ؛ لأنّ استثناء المجهول من المعلوم يجعل الباقي مجهولاً‏.‏

ومن أمثلة بيع الثّنيا‏:‏ أن يبيع الشّاة على أن يكون له ما في بطنها، فإنّ هذا البيع لا يصحّ، لما فيه من الغرر النّاشئ عن جهالة المبيع‏.‏

وقال محمّد بن الحسن‏:‏ وإذا باع الرّجل بقرةً أو ناقةً أو شاةً وهنّ حوامل، واستثنى ما في بطونها، فإنّ البيع على هذا فاسد لا يجوز‏.‏

ثالثاً - الشّرط الّذي يزيد الغرر في العقد‏:‏

28 - هذا الشّرط يكون في العقود الّتي في أصلها غرر، والأصل منعها، لكنّها جازت استثناءً وذلك كعقد المضاربة‏.‏

قال ابن رشد الحفيد‏:‏ أجمعوا بالجملة على أنّه لا يقترن به - أي القراض - شرط يزيد في مجهلة الرّبح أو في الغرر الّذي فيه‏.‏

ر‏:‏ ‏(‏مضاربة‏)‏‏.‏

غرّاوان

التّعريف

1 - الغرّاوان تثنية غرّاء بمعنى البيضاء، وهو مؤنّث الأغرّ أي الأبيض، يقال‏:‏ فرس أغرّ، ومهرة غرّاء أي بيضاء الجبهة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ المراد بالغرّاوين مسألتان من مسائل الميراث‏:‏ يموت في إحداهما زوج عن زوجة فأكثر وأبوين، وفي الأخرى تموت عن زوج وأبوين‏.‏

وتسمّى هاتان المسألتان بالغرّاوين لشهرتهما ووضوحهما، تشبيهاً لهما بالكوكب الأغرّ‏.‏ وتلقّبان كذلك بالعمريّتين لقضاء عمر رضي الله تعالى عنه فيهما، كما تلقّبان بالغريبتين لغرابتهما وعدم النّظير لهما‏.‏

الحكم في المسألتين

2 - ترث الأمّ سدس التّركة فرضاً إذا كان للميّت فرع وارث، وترث ثلث التّركة إذا لم يكن للميّت فرع وارث‏.‏

وهناك حالتان هما الغرّاوان لا تأخذ فيهما الأمّ الثّلث من جميع التّركة مع عدم وجود الفرع الوارث، بل تأخذ ثلث الباقي بعد فرض الزّوج أو الزّوجة‏:‏

الأولى‏:‏ إذا توفّي الزّوج عن أمّ وأب وزوجة فأكثر، ففي هذه الحالة تأخذ الزّوجة الرّبع، والأمّ ثلث الباقي، وهو الرّبع أيضاً من أصل التّركة، ويأخذ الأب ثلثي الباقي أي نصف أصل التّركة، وهذا باتّفاق الفقهاء، وتكون أصل المسألة في هذه الحالة من أربعة‏.‏

الثّانية‏:‏ إذا توفّيت الزّوجة عن أمّ وأب وزوج، ففي هذه الحالة يأخذ الزّوج النّصف فرضاً، وتأخذ الأمّ ثلث ما بقي من التّركة، ويأخذ الأب ثلثي ما بقي، وتكون أصل المسألة من ستّة‏:‏ النّصف وهو ثلاثة للزّوج، وثلث الباقي وهو واحد للأمّ، وثلثا الباقي وهما اثنان للأب، وهذا باتّفاق فقهاء المذاهب، لقضاء عمر رضي الله عنه في المسألتين بذلك‏.‏

ونقل عن ابن عبّاس رضي الله عنهما الخلاف في ذلك قائلاً‏:‏ بأنّ للأمّ الثّلث كاملاً في الحالين لظاهر الآية، وهي‏:‏ ‏{‏فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏عمريّة ف /2 وما بعدها‏)‏، وفي مصطلح ‏(‏إرث ف /28‏)‏‏.‏

غُرّة

التّعريف

1 - من معاني الغرّة - بالضّمّ - في اللّغة‏:‏ بياض في الجبهة فوق الدّرهم، وفي الحديث النّبويّ‏:‏ «أنتم الغرّ المحجّلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء» يريد بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة‏.‏

والأغرّ من الخيل هو‏:‏ الّذي غرّته أكبر من الدّرهم، والغرّة‏:‏ العبد والأمة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تطلق على ما فوق الواجب من الوجه في الوضوء، وتطلق أيضاً على ما يجب في الجناية على الجنين، وهو أمة أو عبد مميّز سليم من عيب مبيع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّية‏:‏

2 - الدّية اسم لضمان مقدّر يجب بالجناية على الآدميّ أو طرف منه‏.‏

وعلى ذلك فهي أعمّ من الغرّة‏.‏

ب - الأرش‏:‏

3 - الأرش يطلق غالباً على المال الواجب في الجناية على ما دون النّفس، والغرّة ما تجب في الجناية على الجنين‏.‏

ج - حكومة العدل‏:‏

4 - حكومة العدل تطلق عند الفقهاء على الواجب الّذي يقدّره عدل في جناية ليس فيها تقدير من الشّرع‏.‏

فهي تختلف عن الغرّة في أنّ الغرّة مقدّرة شرعاً، وحكومة العدل غير مقدّرة شرعاً، بل تقدّر من قبل أهل الخبرة أو الحاكم‏.‏

الحكم الإجماليّ

أوّلاً - إطالة الغرّة في الوضوء

5 - المراد بإطالة الغرّة في الوضوء‏:‏ غسل فوق الواجب من الوجه أي الزّيادة على الحدّ المحدود، وبذلك قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

لكنّ الحنفيّة ذكروها في آداب الوضوء، قال الحصكفيّ‏:‏ ومن الآداب إطالة غرّته وتحجيله‏.‏ وهي عند الشّافعيّة من سنن الوضوء، واستدلّوا على سنّيّتها بحديث الشّيخين أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ أمّتي يأتون يوم القيامة غرّاً محجّلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل» وإطالة التّحجيل غسل فوق الواجب من اليدين والرّجلين‏.‏

أمّا الحنابلة فقد اعتبروا الزّيادة في غسل الوجه واليدين والرّجلين من المستحبّات في الوضوء‏.‏

ولا يندب عند المالكيّة إطالة الغرّة، بل تكره عندهم، واعتبروها من الغلوّ في الدّين‏.‏ وتفصيل الموضوع في ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

ثانياً - الغرّة في الجناية على الجنين

6 - اتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة في الجناية على الجنين إذا سقط وانفصل عن أمّه ميّتاً، وذلك لما ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه «أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيها بغرّة‏:‏ عبد أو أمة»‏.‏

ويشترط في الجناية لوجوب الغرّة‏:‏ أن يترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول، وسواء أكانت عمداً أم خطأً‏.‏

ولا يختلف هذا الحكم فيما إذا كانت الجناية من الحامل نفسها أو زوجها أو غيرهما، ففي كلّ هذه الحالات تجب الغرّة‏.‏

والغرّة تكون عبداً أو وليدةً يبلغ مقدارها نصف عشر الدّية‏.‏

7- واختلف الفقهاء في وجوب الغرّة في حال انفصال الجنين ميّتاً عن الأمّ الميّتة‏.‏

فقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ يشترط لوجوب الغرّة أن ينفصل الجنين عن أمّه ميّتاً وهي حيّة، فإن خرج جنين ميّت بعد موت الأمّ فلا غرّة فيه ؛ لأنّ موت الأمّ سبب لموته ظاهراً، واعتبر الحنفيّة انفصال أكثر الجنين كانفصال الكلّ‏.‏

ولا يشترط عند الشّافعيّة والحنابلة ذلك، فتثبت الغرّة، سواء أكان انفصال الجنين ميّتاً حدث حال حياة الأمّ أم بعد موتها ؛ لأنّه جنين تلف بجناية، فوجب ضمانه، كما لو سقط في حياتها‏.‏ وهذا إذا ألقي الجنين ميّتاً نتيجةً للجناية‏.‏

أمّا إذا ألقته حيّاً حياةً مستقرّةً، ثمّ مات نتيجةً للجناية، كأن مات بعد خروجه مباشرةً، أو دام ألمه ثمّ مات ففيه دية كاملة عند جميع الفقهاء ؛ لأنّه قتل إنسان حيّ‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف /33‏)‏‏.‏

تعدّد الغرّة بتعدّد الأجنّة

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحامل إذا ألقت جنينين أو أكثر بسبب الجناية عليها ففي كلّ واحد غرّة مستقلّة إذا توافرت شروط وجوبها ؛ لأنّ الغرّة ضمان آدميّ تتعدّد بتعدّد الأجنّة، كالدّيات‏.‏

من تجب عليه الغرّة

9 - يرى الحنفيّة والشّافعيّة في الصّحيح عندهم أنّ الغرّة تجب على عاقلة الجاني في سنة ‏;‏ لأنّ الجناية على الجنين لا عمد فيها، سواء أكانت الجناية على أمّه عمداً أم خطأً أم شبه عمد‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّها تجب في مال الجاني في العمد والخطأ، إلاّ أن تبلغ ثلث ديته فأكثر في الخطأ فعلى العاقلة، كما لو ضرب مجوسيّ حرّةً حبلى فألقت جنيناً، فإنّ الغرّة الواجبة أكثر من ثلث دية الجاني‏.‏

وفصّل الحنابلة فقالوا‏:‏ الغرّة على العاقلة إذا مات الجنين مع أمّه وكانت الجناية عليها خطأً أو شبه عمد، وإن كان قتل الأمّ عمداً أو مات الجنين وحده فالغرّة في مال الجاني نفسه، ولا تحمله العاقلة‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجهاض ف /15‏)‏‏.‏

غَرْس

التّعريف

1 - الغرس في اللّغة مصدر غرس يغرس، يقال‏:‏ غرس الشّجر غرساً إذا أثبته في الأرض، كأغرسه، والغراس ما يغرس من الشّجر، ووقت الغرس، ويطلق الغرس على نفس الشّرجة والفسيلة أو القضيب الّذي يغرس‏.‏

ولا يخرج معنى الغرس في الاصطلاح عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الزّرع‏:‏

2 - الزّرع طرح البذر، ويطلق الزّرع على المزروع أيضاً، أي ما استنبت بالبذر، تسميةً بالمصدر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ‏}‏‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لا يسمّى زرعاً إلاّ وهو غضّ طريّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالغرس

أوّلاً‏:‏ فضل الغرس

3 - ورد في فضل الغرس والزّرع أحاديث منها‏:‏ ما رواه أنس رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة إلاّ كان له به صدقة»‏.‏

ومقتضى هذا الحديث أنّ أجر ذلك يستمرّ ما دام الزّرع والغرس مأكولاً منه ولو مات زارعه وغارسه، ولو انتقل ملكه إلى غيره، وظاهر الحديث أنّ الأجر يحصل للغارس ولو كان ملكه لغيره‏.‏

ثانياً‏:‏ عقد المغارسة

4 - المغارسة عقد على غرس شجر في أرض بعوض معلوم، وتسمّى أيضاً‏:‏ المناصبة‏.‏ وجعلها الحنابلة قسماً من المساقاة، حيث قالوا‏:‏ المساقاة دفع أرض وشجر له ثمر مأكول لمن يغرسه، وهي المناصبة، أو شجر مغروس معلوم لمن يعمل عليه‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء في الجملة على صحّة المغارسة في الأشجار على سبيل الإجارة، كأن يقول له‏:‏ اغرس لي هذه الأرض نخلاً أو عنباً أو زيتوناً ولك كذا، وتجري عليها أحكام الإجارة‏.‏

أمّا المغارسة على سبيل الشّركة، بأن تعطى الأرض للعامل لغرس الأشجار، وتكون الأرض والأشجار بينهما، أو الأشجار وحدها بينهما، فاختلفوا فيه‏:‏ فأمّا المغارسة على سبيل الشّركة في الأشجار وحدها فهي كما يلي‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ لو دفع إليه أرضاً مدّةً معلومةً على أن يغرس فيها غراساً على أنّ ما تحصل من الأغراس والثّمار بينهما جاز‏.‏

ومثله ما قاله الحنابلة، حيث صرّحوا بجواز دفع أرض وشجر له ثمر مأكول لمن يغرسه ويعمل عليه بجزء مشاع معلوم من ثمرته أو منه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا تصحّ المغارسة على وجه الشّركة بجزء معلوم في أحدهما، أي الأرض أو الشّجر‏.‏

كما صرّح الشّافعيّة بعدم جواز المناصبة، بأن يسلّم إليه أرضاً ليغرسها من عنده، والشّجرة بينهما‏.‏

وفي فتاوى القفّال‏:‏ أنّ الحاصل في هذه الصّورة للعامل، ولمالك الأرض أجرة مثلها عليه‏.‏ وأمّا المغارسة على وجه الشّركة بينهما في الأرض والأشجار معاً فلا تجوز عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏ وذلك لاشتراط الشّركة فيما هو موجود قبل الشّركة، لأنّه نظير من استأجر صبّاغاً يصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصّبّاغ، فكان كقفيز الطّحّان، كما علّله الحنفيّة‏.‏

وإذا فسدت المغارسة بهذه الصّورة، فالثّمر والغرس لربّ الأرض تبعاً لأرضه، لأنّها هي الأصل وللآخر قيمة غرسه يوم الغرس، وأجر مثل عمله، كما صرّح به الحنفيّة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تجوز المغارسة بشركة جزء معلوم في الأرض والشّجر‏.‏

ولتفصيل أحكام المغارسة ونوعيّة الغراس وسائر شروطها، ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏مساقاة‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الغرس في الأرض الّتي يتعلّق بها حقّ الغير

أ - الغرس في الأرض المغصوبة‏:‏

5 - من غصب أرضاً، فغرس فيها أو بنى، كلّف بقلع الغرس، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس لعرق ظالم حقّ» وفي حديث آخر عن عروة بن الزّبير رضي الله عنه قال «إنّ رجلين اختصما إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، غرس أحدهما نخلاً في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النّخل أن يخرج نخله منها» قال عروة‏:‏ فلقد رأيتها وإنّها لتضرب أصولها بالفؤوس، وإنّها لنخل عمّ ؛ ولأنّ ملك صاحب الأرض باق، فإنّ الأرض لم تصر مستهلكةً، فيؤمر الشّاغل بتفريغها، كما إذا شغل ظرف غيره بطعامه، وتكليف الغاصب بقلع الأشجار متّفق عليه بين الفقهاء، إذا أراد مالك الأرض ذلك‏.‏

وهل لمالك الأرض أن يضمن للغاصب قيمة الغرس فيتملّكه ‏؟‏ فيه تفصيل‏:‏ إن اتّفقا - أي مالك الأرض ومالك الغراس - على ذلك جاز، لأنّ الحقّ لا يعدوهما‏.‏

وكذلك إن وهب الغاصب الغراس لمالك الأرض ليتخلّص من تكلفة قلعه‏.‏ فقبله المالك‏.‏

أمّا إذا اختلفا‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ إن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك، فللمالك أن يضمن له قيمة الغرس مقلوعاً، ويكون الغرس له ؛ لأنّ فيه نظراً لهما، ودفع الضّرر عنهما، فتقوم الأرض بدون شجر، ثمّ بالشّجر مستحقّ القلع، فيضمن فضل ما بينهما‏.‏

ومثله ما قاله المالكيّة، من أنّ مالك الأرض له الخيار‏:‏ بين أن يأخذ الأرض مع الغرس مقابل دفع قيمة نقضه، وبين إلزام الغاصب قلعه، إلاّ أنّهم لم يقيّدوا أخذ الغرس مقابل القيمة بما إذا كانت الأرض تنقص بقلع الغرس‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقد نصّوا على أنّه لو أراد المالك تملّك الغراس بالقيمة، أو إبقاءها بأجرة، لم يلزم إجابته في الأصحّ‏.‏

ونظيره ما قاله الحنابلة، حيث نصّوا على أنّه لو أراد مالك الأرض الغراس من الغاصب مجّاناً أو بالقيمة، وأبى مالكه، أي الغاصب، لم يكن لمالك الأرض ذلك ؛ لأنّه عين مال الغاصب، كما لو وضع فيها أثاثاً أو نحوه‏.‏

وقد صرّح جمهور الفقهاء بأنّ الغاصب إذا كلّف بقلع الغراس فإنّ تكلفة القلع وتسوية الأرض كما كانت على نفقة الغاصب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏غصب‏)‏‏.‏

ب - الغرس في الأرض المستعارة‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على جواز إعارة الأرض للغرس لمدّة معيّنة، أو مطلقاً بدون ذكر مدّة، وللمستعير أن يغرس فيها ما يشاء من الغراس في داخل المدّة المشروطة في العقد أو المعتادة إذا كانت العاريّة مطلقةً، وليس له بعد انقضاء المدّة المشروطة أو المعتادة أن يغرس فيها، وإذا فعل ذلك فحكمه حكم من غرس في أرض مغصوبة‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو رأي عند الشّافعيّة، إلى أنّ من أعار أرضاً للبناء فللمستعير أن يغرس فيها؛ لأنّ البناء والغرس متشابهان في قصد الدّوام والإضرار بالأرض‏.‏ والصّحيح عند الشّافعيّة أن لا يغرس مستعير لبناء، ولا يبني مستعيراً لغراس ؛ لأنّ البناء والغراس يختلفان في الضّرر، فإنّ ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها، والغراس بالعكس ؛ لانتشار عروقه‏.‏

ج - الغرس في الأرض المرهونة‏:‏

7 ذهب الفقهاء إلى أنّ للرّاهن أن يغرس في الأرض المرهونة إذا كان الدّين مؤجّلاً ؛ لأنّ تعطيل منفعتها إلى حلول الدّين تضييع للمال، وقد نهى عنه، بخلاف الحال‏.‏

فإذا غرس الرّاهن في الأرض المرهونة تدخل الغراس في الرّهن، كما صرّح به الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ إذا رهن أرضاً، وأذن الرّاهن للمرتهن في غراسها بعد شهر، فالأرض قبل الشّهر أمانة بحكم الرّهن، وبعده عاريّة مضمونة بحكم العاريّة‏.‏

كما يجوز للرّاهن غرسها بإذن المرتهن‏.‏

ولتفصيل أحكام الرّهن، وهل هو أمانة، أو مضمون ‏؟‏ ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان ف /62‏)‏‏.‏

د - الغرس في الأرض المشفوع فيها‏:‏

8 - إذا أحدث المشتري في المشفوع بناءً أو غراساً قبل قيام الشّفيع بطلب الشّفعة، ثمّ طالب الشّفيع بشفعته، فاختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ الشّفيع بالخيار، إن شاء أخذها بالثّمن الّذي اشتراها به المشتري وقيمة البناء أو الغرس، وإن شاء كلّف المشتري بقلعه، لأنّه غرس تعلّق به حقّ متأكّد للغير من غير تسليط من جهة من له الحقّ، فينقض، كالرّاهن إذا بنى أو غرس في الرّهن‏.‏

ومثله ما ذكره الحنابلة‏:‏ أنّ للشّفيع الخيار بين أخذ المشفوع مع الغراس مقابل دفع قيمة الغراس، وبين القلع، لكنّهم أضافوا‏:‏ إن أحبّ الشّفيع قلع الغراس يضمن نقصه من القيمة بالقلع، وهي ما بين قيمة الأرض مغروسةً وبين قيمتها خاليةً‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا شفعة إلاّ أن يعطي المشتري قيمة ما بنى وما غرس‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ لو بنى أو غرس المشتري في المشفوع ولم يعلم الشّفيع بهما، ثمّ علم، قلع ذلك مجّاناً ؛ لعدوان المشتري‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏شفعة ف /48‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ غرس الشّجر في المسجد والأرض الموقوفة

9- اختلف الفقهاء في حكم غرس الأشجار في المسجد والأرض الموقوفة‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ لو أنّ رجلاً غرس شجرةً في المسجد فهي للمسجدة أو في أرض موقوفة على رباط مثلاً فهي للوقف إن قال للقيّم‏:‏ تعاهدها، ولو لم يقل فهي له يرفعها لأنّه ليس له هذه الولاية، ولا يكون غارساً للوقف‏.‏ وقيّد الحصكفيّ هذا الجواز بأن يكون الغرس لنفع المسجد، كتقليل نزّ، وهو ما يتحلّب من الأرض من الماء‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن كان لنفع النّاس بظلّه، ولا يضيق على النّاس، ولا يفرّق الصّفوف، لا بأس به، وإن كان لنفع نفسه بورقة أو ثمره، أو يفرّق الصّفوف، أو كان في موضع تقع به المشابهة بين البيعة والمسجد، يكره‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن بنى أو غرس محبس أو أجنبيّ في أرض الوقف، فإن بيّن أنّ ما غرسه وقف كان الغرس والبناء وقفاً، وكذلك إن لم يبيّن قبل موته بأنّه وقف، أمّا إذا بيّن أنّه ملك له، كان له أو لوارثه، فيؤمر بنقضه، أو يأخذ قيمته منقوضاً بعد إسقاط كلفة لم يتولّها‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ ينبغي أن لا تغرس الأشجار في المسجد وفي موضع آخر قال‏:‏ يكره غرس الشّجر في المسجد، فإن غرس قطعه الإمام‏.‏

وفصّل الزّركشيّ في الموضوع فقال‏:‏ يكره غرس الشّجر والنّخل وحفر الآبار في المساجد، لما فيه من التّضييق على المصلّين، والصّحيح تحريمه، لما فيه من تحجير موضع الصّلاة، والضّيق وجلب النّجاسات من ذرق الطّيور‏.‏

أمّا الحنابلة فقد نصّوا على عدم جواز الغرس في المسجد، وقال أحمد‏:‏ إن كانت غرست النّخلة بعد أن صار مسجداً فهذه غرست بغير حقّ، فلا أحبّ الأكل منها، ولو قلعها الإمام لجاز، وذلك لأنّ المسجد لم يبن لهذا، وإنّما بني لذكر اللّه والصّلاة وقراءة القرآن ؛ ولأنّ الشّجرة تؤذي المسجد، وتمنع المصلّين من الصّلاة في موضعها، ويسقط ورقها في المسجد وثمرها، وتسقط عليها العصافير والطّيور فتبول في المسجد، وربّما اجتمع الصّبيان في المسجد لأجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها‏.‏

خامساً‏:‏ الغرس في الأرض الموات

10 - اتّفق فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على أنّ غرس الشّجرة في الأرض الموات سبب من أسباب إحيائها‏.‏

وتفصيل مسائل إحياء الموات في مصطلحه ‏(‏ف /24‏)‏‏.‏

غَرْغَرَة

التّعريف

1 - الغرغرة والتّغرغر في اللّغة‏:‏ أن يردّد الشّخص الماء في الحلق ولا يسيغه، والغرور‏:‏ ما يتغرغر به من الأدوية، وتغرغرت عيناه‏:‏ تردّد فيهما الدّمع، وأيضاً الغرغرة‏:‏ تردّد الرّوح في الحلق‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ لا يخرج استعمال الفقهاء للفظ غرغرة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المضمضة‏:‏

2 - المضمضة‏:‏ تحريك الماء في الفم ثمّ مجّه‏.‏

أمّا الغرغرة فهي تحريك الماء وإدارته مع وصوله إلى أعماق الفم، فهي كما يقول الفقهاء‏:‏ مبالغة في المضمضة‏.‏

ب - الاحتضار‏:‏

3 - الاحتضار‏:‏ الإشراف على الموت بظهور علاماته‏.‏

أمّا الغرغرة فهي تردّد الرّوح في الحلق‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏احتضار ف /1 - 2‏)‏‏.‏

الحكم الإجماليّ

ذكر الفقهاء الغرغرة في سنن الوضوء وفي التّوبة‏.‏

أ - في الوضوء‏:‏

4 - من مستحبّات الوضوء عند المالكيّة والحنابلة، وهو الظّاهر عند الحنفيّة‏:‏ المبالغة في المضمضة، وذلك يكون بالغرغرة‏.‏

وعند الشّافعيّة وفي قول آخر للحنفيّة‏:‏ أنّ المبالغة في المضمضة سنّة من سنن الوضوء‏.‏

ب - أثر الغرغرة في قبول التّوبة‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على أنّ توبة الكافر - أي إسلامه - مقبولة إذا كانت قبل الغرغرة‏.‏ واختلف الفقهاء في قبول توبة المؤمن العاصي عند الغرغرة‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ توبته لا تقبل في هذه الحالة‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح ‏(‏توبة ف /10‏)‏‏.‏

غَرَق

التّعريف

1 - الغرق في اللّغة‏:‏ الرّسوب في الماء، يقال‏:‏ رجل غرق وغريق، وقيل‏:‏ الغرق‏:‏ الرّاسب في الماء، والغريق‏:‏ الميّت فيه‏.‏

وقال أبو عدنان‏:‏ الغرق الّذي غلبه الماء ولمّا يغرق، فإذا غرق فهو الغريق‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للغرق عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الغمر‏:‏

2 - من معاني الغمر‏:‏ الماء الكثير، قال ابن سيده وغيره‏:‏ يقال ماء غمر‏:‏ كثير مغرق، ومن معانيه‏:‏ التّغطية، يقال غمره الماء غمراً‏:‏ إذا غطّاه‏.‏

والصّلة‏:‏ أنّ الغمر قد يكون سبباً للغرق‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالغرق

تتعلّق بالغرق أحكام، منها‏:‏

أ - اعتبار الغرق من أسباب الشّهادة‏:‏

3 - الغرق من أسباب الشّهادة، فمن مات غرقاً نال منازل الشّهداء في الآخرة، إن لم يتعمّد ذلك، جاء في الحديث الصّحيح‏:‏ «الشّهداء خمسة‏:‏ المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل اللّه»‏.‏

والغريق من شهداء الآخرة ؛ لأنّه ينال منازل الشّهداء في الآخرة، ولكن تختلف أحكامه في الدّنيا عن أحكام الشّهيد في سبيل اللّه، وهو الّذي يموت في قتال الكفّار، فيغسّل الغريق ويصلّى عليه، بخلاف الشّهيد في سبيل اللّه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهيد ف /3 - 4‏)‏‏.‏

ب - قتال الأعداء بإغراقهم‏:‏

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز في قتال الأعداء إغراقهم بالماء، وقيّد الحنفيّة جواز ذلك بما إذا لم يتمكّن المسلمون من الظّفر بهم بلا مشقّة عظيمة بدون إرسال الماء عليهم لإغراقهم، فإن تمكّنوا من الظّفر فلا يجوز إغراقهم ؛ لأنّ في ذلك إهلاك أطفالهم ونسائهم ومن عندهم من المسلمين‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏جهاد ف /32‏)‏‏.‏

ج - القتل بالإغراق‏:‏

5 - يرى جمهور الفقهاء أنّ من القتل العمد ما إذا ألقى الجاني شخصاً في ماء مغرق لمثله لا يخلص منه عادةً كلجّة وقت هيجانها، وكان لا يخلص بسباحة لعجزه عنها، أو لا يحسنها، أو كان مكتوفاً، أو زمناً فغرق فهو عمد، ويجب فيه القصاص، أمّا إذا كان يحسن السّباحة ومنع منها عارض بعد إلقائه كريح وموج فشبه عمد، بخلاف ما إذا كان إلقاؤه وقت هيجان البحر ؛ لأنّه مهلك غالباً لا يمكنه الخلاص منه، وأمّا إذا ألقى مميّزاً قادراً على الحركة في ماء جار أو راكد لا يعدّ مغرقاً عرفاً بقصد الإغراق، فمكث فيه مضطجعاً، فمات غرقاً فلا ضمان ولا كفّارة، لأنّه المهلك لنفسه‏.‏

غَرْقى

التّعريف

1 - الغرقى في اللّغة‏:‏ جمع غريق وغرق، وهو الرّاسب في الماء، وحكي عن الخليل الغرق‏:‏ الرّاسب في الماء من غير موت، فإن مات فهو غريق‏.‏

والفقهاء يستعملون لفظ غريق بالمعنيين اللّذين حكيا عن الخليل، فهم يستعملون لفظ الغريق بمعنى الرّاسب في الماء ولم يمت ويحتاج إلى الإنقاذ، جاء في الاختيار‏:‏ من رأى أعمى كاد أن يتردّى في البئر وجب عليه إنقاذه وصار هذا كإنجاء الغريق، ويستعملونه كذلك بمعنى الرّسوب في الماء والموت فعلاً، وذلك في كلامهم عن ميراث الغرقى‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالغرقى

أ - قطع الصّلاة لإنقاذ غريق‏:‏

2 - إغاثة الغريق والعمل على إنجائه من الغرق واجب على كلّ مسلم متى استطاع ذلك، يقول الفقهاء‏:‏ يجب قطع الصّلاة لإغاثة غريق إذا قدر على ذلك، سواء أكانت الصّلاة فرضاً أم نفلاً، وسواء استغاث الغريق بالمصلّي أو لم يعيّن أحداً في استغاثته، حتّى ولو ضاق وقت الصّلاة ؛ لأنّ الصّلاة يمكن تداركها بالقضاء بخلاف الغريق‏.‏

ب - حكم ترك إنقاذ الغريق‏:‏

3 - اتّفق الفقهاء على أنّ المسلم يأثم بتركه إنقاذ الغريق معصوم الدّم، لكنّهم اختلفوا في حكم تركه إنقاذه هل يجب عليه القصاص أو الدّية أو شيء عليه ‏؟‏

فعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - عدا أبي الخطّاب - على ما يفهم من كلامهم أنّه لا ضمان على الممتنع من إنقاذ الغريق إذا مات غرقاً ؛ لأنّه لم يهلكه، ولم يحدث فيه فعلاً مهلكاً، لكنّه يأثم‏.‏

وعند المالكيّة وأبي الخطّاب من الحنابلة يضمن ؛ لأنّه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، قال المالكيّة‏:‏ وتكون الدّية في ماله إن ترك التّخليص عمداً، وعلى عاقلته إن تركه متأوّلاً‏.‏

أمّا الجناية بالتّغريق فينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏غرق ف /5‏)‏‏.‏

ج - اعتبار الغرقى من الشّهداء‏:‏

4 - يعتبر الفقهاء أنّ الغرقى من الشّهداء للأثر الصّحيح‏:‏ «الشّهداء خمسة‏:‏ المطعون، والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشّهيد في سبيل اللّه»‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلحي ‏(‏شهيد ف /4، وغرق ف /3‏)‏‏.‏

د - إرث الغرقى‏:‏

5 - الغرقى إذا لم يعلم أيّهم مات أوّلاً فلا يرث بعضهم من بعض، وإنّما يحصل ميراث كلّ واحد منهم لورثته الأحياء، وهذا قول أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطّاب‏.‏

غُرْم

انظر‏:‏ غرامات‏.‏

غُرَماء

انظر‏:‏ إفلاس‏.‏

غُروب

التّعريف

1 - الغروب لغةً‏:‏ البعد، يقال‏:‏ غربت الشّمس تغرب غرباً وغروباً‏:‏ أي بعدت وتوارت في مغيبها‏.‏

وغرُب الشّخص - بالضّمّ - غرابةً‏:‏ بعد عن وطنه فهو غريب، وأغرب الرّجل‏:‏ أي أتى الغرب، وغرّب القوم‏:‏ أي ذهبوا ناحية المغرب‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الشّروق‏:‏

2 - الشّروق لغةً‏:‏ طلوع الشّمس، يقال‏:‏ شرقت الشّمس شروقاً من باب قعد‏:‏ أي طلعت وأضاءت على الأرض، وأشرقت الأرض‏:‏ أنارت بإشراق الشّمس‏.‏

وأشرق‏:‏ أي دخل في وقت الشّروق‏.‏

وأيّام التّشريق سمّيت بذلك لأنّ لحوم الأضاحيّ تشرق فيها‏:‏ أي تقدّد في الشّرقة، وهي الشّمس‏.‏

والشّرق والمشرق‏:‏ جهة الشّروق‏.‏

والمشرق مصلّى العيد، سمّي بذلك لقيام الصّلاة فيه عند شروق الشّمس‏.‏

والشّروق ضدّ الغروب‏.‏

ما يتعلّق بالغروب من أحكام

تتعلّق بالغروب جملة من الأحكام منها‏:‏

أ - في الصّلاة‏:‏

3 - يخرج وقت العصر بغروب الشّمس، ويبدأ بغروبها وقت المغرب، ومع ذلك فقد أجمع الفقهاء على أنّ من أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدركها، سواء أخّرها لعذر أو لغير عذر‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم «من أدرك ركعةً من الصّبح قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصّبح، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر»‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة، ف /9‏)‏‏.‏

ب - غروب الشّفق‏:‏

4 - غروب الشّفق علامة على خروج وقت المغرب ودخول وقت العشاء عند جمهور الفقهاء خلافاً للمالكيّة والشّافعيّة في الجديد‏.‏

واختلف الفقهاء في المراد بالشّفق أهو البياض أم الحمرة ‏؟‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة ف /11، 12‏)‏‏.‏

ج - كراهة الصّلاة عند غروب الشّمس‏:‏

5 - من الأوقات الّتي تكره فيها الصّلاة‏:‏ بعد صلاة العصر حتّى تغرب الشّمس، وعند غروبها حتّى يتكامل غروبها ويختفي قرصها، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة بعد العصر حتّى تغرب الشّمس»‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الصّلاة في حديث طويل‏:‏ «ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تغرب الشّمس، فإنّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة ف /23‏)‏‏.‏

د - في زكاة الفطر‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في وقت وجوب زكاة الفطر‏.‏

فقال الجمهور تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وقال آخرون‏:‏ تجب بطلوع فجر يوم العيد‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة الفطر/ ف 8‏)‏‏.‏

هـ - في الصّيام‏:‏

7 - أجمع الفقهاء على أنّ الصّائم يجب عليه أن يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر يوم صومه حتّى تغرب الشّمس ويتأكّد من غروبها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ‏}‏‏.‏ كما أجمعوا على أنّ الصّوم ينقضي ويتمّ بغروب الشّمس، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أقبل اللّيل من هاهنا، وأدبر النّهار من هاهنا، وغربت الشّمس، فقد أفطر الصّائم»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا رأيتم اللّيل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصّائم»، قال الرّاوي‏:‏ وأشار بيده قبل المشرق‏.‏

قال النّوويّ رحمه الله‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ ويجب إمساك جزء من اللّيل بعد الغروب ؛ ليتحقّق به استكمال النّهار‏.‏

وعليه فإذا أفطر الصّائم للفرض وهو يظنّ غروب الشّمس، فبان خلافه لزم عليه القضاء، لما روى عليّ بن حنظلة عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ كنت عند عمر رضي الله عنه في رمضان فأفطر وأفطر النّاس فصعد المؤذّن ليؤذّن فقال‏:‏ أيّها النّاس هذه الشّمس لم تغرب، فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ من كان أفطر فليصم يوماً مكانه ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ فقال عمر‏:‏ لا نبالي واللّه يوماً نقضي مكانه ‏"‏‏.‏

ولأنّ الأصل بقاء النّهار فلزمه القضاء‏.‏

وقال إسحاق بن راهويه وبعض علماء السّلف‏:‏ صومه صحيح ولا قضاء عليه ؛ لحديث «إنّ اللّه تعالى تجاوز عن أمّتي الخطأ والنّسيان، وما استكرهوا عليه»‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إمساك ف /5‏)‏‏.‏